Sunday 05,May,2024 02:51

صحيفة بحرينية مستقلة

صحيفة بحرينية مستقلة

رفع الجدل من خلال «مقاربة مفاهيميّة» لفكر «الاستعمار مع الحركات الدينيّة 1-4»

منامة بوست (خاص): يدور الجدل حول أصل وجود شخصيّة «مستر همفر» من عدمها، وتعتمد أدلّة النفي على عدم وجود آثار لهذا الجاسوس الكبير، إلّا ما نسب له من مذكّرات. «منامة بوست»، لا تنفي ولا تؤكّد

منامة بوست (خاص): يدور الجدل حول أصل وجود شخصيّة «مستر همفر» من عدمها، وتعتمد أدلّة النفي على عدم وجود آثار لهذا الجاسوس الكبير، إلّا ما نسب له من مذكّرات. «منامة بوست»، لا تنفي ولا تؤكّد أيّ معلومة متعلّقة بالوجود التاريخيّ، وهذا الملف هدفه القراءة الفكريّة لهذه الشخصيّة، ومن ثم قراءة الحركة السلفيّة التي جاءت من رحم ذلك الجنين، وتحليلها.فمن الثابت أنّ شخصيّة محمّد بن عبدالوهاب ليست شخصيّة وهميّة، إذ إنّ آثاره وكتبه موجودة، ما سيبيّن في مطاوي هذا الملف عن علقة ولو افتراضيّة بين «همفر» و«عبدالوهاب». ولو نفينا تلك العلاقة من وجهة تاريخيّة، فإنّ صلة الفكر السلفيّ بأجهزة الاستكبار العالميّ بادية وواضحة، لكنّها ستتأصل في البين، حين نطرق عدة أبواب مسكوت عنها في هذا الإطار.

يبدأ «همفر» مذكّراته بأسباب استهداف دين الإسلام وبلاده، مقارناً بين بضعة أديان وثقافات، ومؤكّداً على أنّ الإسلام دين له ارتباط بالحياة، وبالتالي يُخشى منه، يقول همفر:« إنّ الإسلام كان ذات يوم دين حياة وسيطرة، ومن الصعب عليك أن تقول للسادة أنتم عبيد، فإنّ نخوة السيادة تدفع بالإنسان إلى التعالي مهما كان من ضعف وانحطاط. ولم يكن بإمكاننا أن نزيّف تاريخ الإسلام، حتى نشعر المسلمين بأنّ السيادة التي حازوها كانت بفعل ظروف خاصّة قد ولّت إلى غير رجعة» (1).

لكنّ هذا ليس السبب الأوحد بالتأكيد، نعرف ذلك من خلال عدّة مقاربات في تدخّل الاستعمار في صنع أو توجيه «الإسلام»، حتى صنعت كيانات سميت في العصر الحديث بالـ«الإسلام السياسيّ». من أهم هذه الأسباب أنّ الدين هو العامل الأسهل لولوج النفوس وتحريك الذهنيّات، لأنّه يقوم على المشاعر والحميّة، فإذا أقنعت أحداً بمفاهيم دينيّة مغلوطة، قدرت حينها على إدارة توجيهه من خلال تلك المغالطات، وعلى قدر إيقاع المغالطة يمكنك عزف السمفونيّة التي ستحدّد رقص الضحيّة على وقعها.

من هنا يشير الدكتور «ثروت الخرباوي» في كتابه «سر المعبد» عن صدمته في قراءة خطبة للشيخ محمد الغزالي، حين وصف فيها القياديّ الإخواني حسن الهضيبي بالشخصية الماسونيّة، لم تكن التهمة جرداء من الدليل، ولم تكن يتيمة من المؤشرات، بل لم تكن تهمة بقدر ما هو كشف تموضع الهضيبي، ومذكّرات الدكتور الخرباوي شبيهة في مضمونها بالذي احتوته مذكّرات «مستر همفر» من مفاهيم وأهداف (2).

فالإخوان المسلمون حسب ما ذكر الخرباوي في كتابه، مخترقون، وقد أدارتهم المخابرات الأمريكيّة ودعمتهم وبنت لهم معاهد إسلاميّة في أوروبا، ومن هنا نفهم أنّ «مستر همفر» حين جاء للمنطقة مستهدفاً الدين الإسلاميّ في ثوب مستشرق دخل الإسلام، لم يكن ذلك إلا لقولبة الاتجاهات الدينيّة في مصبّ «المطمع السياسيّ» بعيد المدى.

يقول «همفر»: «أوفدتني وزارة المستعمرات عام «1710م» إلى كلّ من مصر، والعراق، وطهران، والحجاز، والآستانة، لأجمع المعلومات الكافية التي تعزز سبل تمزيقنا للمسلمين، ونشر السيطرة على بلاد الإسلام، وبعث في نفس الوقت تسعة آخرين من خيرة الموظفّين لدى الوزارة ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمّس لسيطرة الحكومة إلى سائر الأجزاء للإمبراطوريّة، وسائر بلاد المسلمين، وقد زودتنا الوزارة بالمال الكافي، والمعلومات اللازمة، والخرائط الممكنة، وأسماء الحكّام والعلماء ورؤساء القبائل، ولم أنس كلمة السكرتير حين ودعنا باسم السيّد المسيح وقال: إن على نجاحكم يتوقّف مستقبل بلادنا، فأبدوا ما عندكم من طاقات للنجاح».

وبعد رحلة طويلة، التقى الجاسوس البريطانيّ مستر همفر «بحسب المذكرات» بـشاب يدعى محمد ابن عبدالوهاب في البصرة، وكان الأخير طالباً للعلم، وطموحاً، ولديه رؤى خاصة بنفسه في مسألة الخلافة وبعض العقائد، فرأى فيه همفر ضالته، فعزّز فيه ثقته بنفسه كثيراً، ومثّل أنّه تابع له ومتأثر برؤاه.

يقول «همفر» في مذكّراته: «لقد وجدت في «ابن عبد الوهّاب» ضالتي المنشودة، فإنّ تحرّره وطموحه وتبرمه من مشايخ عصره ورأيه المستقل الذي لا يهتم حتى بالخلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن والسنّة، كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أن أتسلل منها إلى نفسه.

وأين هذا الشاب المغرور من ذلك الشيخ التركيّ الذى درست عنده في تركيا؟ فإنّه كان مثال السلف كالجبل لا يحركه شيء، إنّه كان إذا أراد أن يأتي باسم أبي حنيفة – وكان الشيخ حنفي المذهب – قام وتوضأ ثم ذكر اسم أبي حنيفة، وإذا أراد أن يأخذ كتاب «البخاري» – وهو كتاب عظيم عند أهل السنّة يقدّسونه أيما تقديس– قام وتوضاً ثم أخذ الكتاب.

أمّا «الشيخ ابن عبد الوهاب» فكان يزدري بأبي حنيفة أيما ازدراء ، وكان يقول عن نفسه «إنني أكثر فهماً من أبي حنيفة» وكان يقول: «إنّ نصف كتاب البخاري باطل».

لقد عقدت بيني وبين «محمد» أقوى الصلات والروابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار، وأبيّن له أنّه أكثر موهبة من «علي وعمر» وأنّ الرسول لو كان حاضراً لاختارك خليفة له دونهما، وكنت أقول له دائماً آمل من تجديد الإسلام على يدك فإنّك المنقذ الوحيد الذي يرجى به انتشال الإسلام من هذه السقطة».

هذا المقطع من المذكّرات يذكّرنا تماماً بطريقة التلقين والتوجيه مع الإسلام السياسيّ الحديث، مع تغيّر الأدوات حسب تغيّر الزمن وتطوّر الحضارة.

الكاتب محمد السنان كتب في صحيفة عكاظ(3) «في مصر وإعدام عرّابهم «سيد قطب». وبنهاية العقد الخامس الميلاديّ، كانت وكالة المخابرات الأمريكية «CIA» قد عقدت صفقات سريّة مع الإخوان لدعمهم في حربهم ضدّ الأحزاب الشيوعيّة في العالم. وقد نما هذا التعاون إبّان الحرب الأفغانيّة، لكن ما لبث أنّ تراجع هذا التعاون بعد سقوط حكومة بابراك كارمل المدعومة من السوفيات، وسيطرة الحركات الإسلاميّة على كامل الأرض الأفغانيّة. ومن ثم تدهورت هذه العلاقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث وجّهت للإخوان الاتهامات بضلوعهم في تفجير برجي مركز التجارة الدوليّة في مدينة مانهاتن بنيويورك، ولكن بعد مجيء الرئيس بوش الابن إلى السلطة، وتحديداً في ولايته الثانية كانت الموازين الدوليّة قد تغيّرت، وأصبح نفوذ الإخوان المسلمين يتعاظم في القارة الأوربيّة، وبخاصة في ألمانيا وفرنسا، ما أجبر الإدارة الأمريكيّة على إعادة النظر في علاقاتها مع الإخوان باعتبارهم قوّة لا يستهان بها، فقد عمد الرئيس بوش إلى تكليف وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة بالدعوة إلى عقد مؤتمر في بلجيكا عام 2006م، دعيت إليه بعض التكتّلات الإسلاميّة في الولايات المتّحدة مثل الجمعيّة الإسلاميّة لأمريكا الشماليّة «ISNA – 1963».

والجناح الأوروبيّ لتنظيم الإخوان المسلمين، الذي تعهّدت من خلاله الولايات المتّحدة بتقديم الدعم لتلك التنظيمات، بشرط أن يوافق الإخوان على نبذ منهج العنف في تغيير الأنظمة التي يخطط لإسقاطها، كي لا تتهم أمريكا بأنّها تدعم الحركات الإرهابيّة. ويلاحظ أنّ الأحداث المتسارعة التي حدثت في تونس ومصر وليبيا لم تكن مفاجئة للإدارة الأمريكيّة، فقد جاء تحرّك الولايات المتحدة سريعاً. حيث لعبت دوراً بارزاً في لقاء بعض قيادات الإخوان المسلمين مع نائب الرئيس المصريّ المخلوع عمر سليمان، في عمان. وقد راهنت الولايات المتّحدة على الإخوان وبقيّة التنظيمات الدينيّة في المنطقة كحلفاء يمكن التعويل عليهم».

وفي السياق نفسه كشف اللواء ثروة جودة لصحيفة الوطن المصريّة (4) بأنّ البداية كانت عام 1985م بعد انهيار الاتحاد السوفيتيّ برئاسة «جورباتشوف»، وانتصار أمريكا والغرب عليه، فبدأ حلف الشمال الأطلنطي «الناتو» يفكّر من هو العدو الجديد بعد السوفيت، مع العلم أنّ أمريكا هي المسيطرة عليه، حينها خرج صامويل هنتنجتون، الباحث الأمريكيّ في شؤون انقلابات الدول، ليكشف عن نظريّة «صراع الحضارات» ليتمّ بعدها الاتّفاق على ضرورة «بروزة الإسلام على أنّه العدوّ الجديد»، لكنهم لم يريدوا الاصطدام مع أكثر من مليار مسلم في العالم فبدؤوا في التفكير عن حلّ عبر مراكز الدراسات الكبرى الموجودة في أمريكا، ولعبت ثلاث مراكز الدور الأبرز في صناعة الرؤية خلال تلك الفترة هي «مركز دراسات الشرق الأوسط، ومركز دراسات الشرق الأدنى، ومركز الدراسات الاستراتيجيّة التابع لوزارة الدفاع الأمريكيّة «البنتاجون»، فأخذوا ينظرون في كيفيّة تنفيذ خطّتهم دون إثارة العالم الإسلاميّ، وما كان لهم إلا أن يجدوا ضالتهم في «الإخوان المسلمين».

المقاربة هنا بين الإخوان ومذكرات همفر تأتي كمعالجة بنيويّة للفكر السياسيّ لـ «الاستعمار» تجاه الحركات الإسلاميّة، عبر تطبيق واقعيّ في مصداقين، الحركة السلفيّة والحركة الإخوانيّة، لنخلص إلى نتيجة تفضي بتوحيد القالب السياسيّ في صنع «أو توجيه، أو اختراق» الحركات المنساقة في العمل السياسيّ، والتي تنتهج نهجاً دينيّاً «يمكن» استثماره نحو الأهداف المنشودة لسياسات الدول الكبرى.

مصادر وهوامش:

1- مذكّرات مستر همفر(1710-1730)، تحقيق دار الفنون، بيروت- لبنان، 2005م.
2- مذكّرات الدكتور ثروت الخرباوي، ثروت. سر المعبد، دار نهضة مصر للنشر، ط1، 2012م -ص 26.

3- صحيفة عكاظ – علاقة الإخوان بـ CIA

4- حواراللواء ثروت جودة – صحيفة الوطن المصرية

وصلة الحلقة الثانية

وصلة الحلقة الثالثة


رابط المختصر : manamapost.com/?p=2014064645


المواضیع ذات الصلة


  • أسرار واعترافات… ضابط الدرك الأردنيّ في البحرين: «عناصر من الدرك الأردنيّ شاركوا في هجوم الدراز فجرًا» 2-3
  • أسرار واعترافات.. ضابط الدرك الأردنيّ في البحرين: «جئنا من أجل المال.. ولسنا مضطرّين إلى تحمّل نتائج سقوط هذا النظام» 1-3
  • أسرار واعترافات.. «الدرك الأردنيّ في قبضة منامة بوست»
  • اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *